"فايننشيال تايمز": انتحار مراهقة بريطانية بعد اتهامها بالإرهاب رغم معاناتها من التوحد
"فايننشيال تايمز": انتحار مراهقة بريطانية بعد اتهامها بالإرهاب رغم معاناتها من التوحد
أبلغت الأم، الموظفة إميلي كارتر، عن مؤشرات تطرف ظهرت على ابنتها المراهقة ريانان رود، ما دفع شرطة ديربيشاير إلى التدخل؛ داهمت قوة من تسعة عشر شرطيًا ومحققَين منزل العائلة في بولسوفر مساء 21 أكتوبر 2020، واعتقلت ريانان، البالغة من العمر خمسة عشر عامًا، بعد أن كشفت تحريات أولية عن تورطها في أنشطة إلكترونية متطرفة.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، اليوم الثلاثاء، نفذت الشرطة عملية تفتيش دقيقة للمنزل، ورافقت الفتاة النحيلة ذات الشعر الأشقر الكثيف وسط استغراب والدتها وابنها الأكبر، حيث اضطرا للمبيت في سيارتهما ليلتين ريثما تكتمل الإجراءات.
سجلت الشرطة لاحقًا أن ريانان حمّلت دليلاً لصناعة القنابل، وعبّرت عن رغبتها في استهداف كنيس يهودي، واحتفظت في غرفتها بنصب تذكاري لأدولف هتلر.
توجيه 6 تهم لريانان
أحال الادعاء العام الفتاة إلى التحقيق في أبريل 2021، ووجه إليها ست تهم تتعلق بالإرهاب، لتصبح أصغر فتاة في المملكة المتحدة تواجه مثل هذه التهم، نُقلت ريانان إلى دار رعاية سكنية، كجزء من شروط الإفراج المؤقت، نظرًا لضعفها النفسي وكونها مصابة بالتوحد، فضلًا عن تاريخها في إيذاء الذات ومحاولات انتحار سابقة.
وأكد الفريق القانوني للفتاة أنها تعرضت للاستدراج من قبل أحد عناصر اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، حيث التقت به عبر الإنترنت، وأظهرت الأدلة أنها لم تكن صاحبة المبادرة في تلك الأفعال، ما دفع دائرة الادعاء الملكية لإسقاط القضية بعد ثمانية أشهر من توجيه التهم.
واستمرت ريانان في العيش داخل دار الرعاية، والتحقت ببرنامج لإعادة تأهيل المتطرفين، لكنها لم تتعافَ من التوتر النفسي الذي سببته القضية، حذّرت والدتها مسؤولي الدار من تدهور حالتها، غير أن الطمأنة كانت الرد الدائم.
وفي صباح 19 مايو 2022، وُجدت ريانان جثة هامدة بعد أن أنهت حياتها بنفسها، كانت تبلغ من العمر 16 عامًا.
وصف ضابط شرطة مسؤول عن حالتها الفتاة بأنها من بين أكثر الحالات ضعفًا في مسيرته المهنية، لاحقًا، قالت المحققة الشرعية أليكسيا دوران إن إيذاء الفتاة لنفسها ارتبط بعدم قدرتها على التعبير عن الضيق، وسجلت في تقريرها الطبي نتيجة "مفتوحة"، إذ لم تتوافر أدلة حاسمة تؤكد نية الانتحار.
ثغرات في الرقابة الرقمية
استعرضت جلسات التحقيق، التي شارك فيها 46 شاهدًا من العائلة والأطباء والمحققين وضباط الأمن، تفاصيل دقيقة عن كيفية تعرض ريانان للتأثير عبر الإنترنت.
رغم خضوع استخدام هاتفها لرقابة في دار الرعاية، كشفت التحليلات الرقمية أنها نجحت في إخفاء سجلات البحث، مستفيدة من فجوة تقنية بين معرفتها كجيل رقمي والجهات المسؤولة عن مراقبتها.
وأكد الباحث في الفكر الفاشي البروفيسور ماثيو فيلدمان أن هذه الظاهرة تتكرر بين الشباب المستهدفين من قبل متطرفين عبر الإنترنت، مشيرًا إلى أن الرقابة التقليدية لا تواكب تطور التطبيقات والمنصات الحديثة.
تطرف القُصّر
سجّل جهاز الاستخبارات البريطاني MI5 تضاعفًا في عدد القصّر الذين يُجرى التحقيق معهم في قضايا إرهاب خلال السنوات الثلاث الماضية؛ شكل الأطفال ما نسبته 13% من إجمالي التحقيقات بحلول عام 2023، في مقابل 4% فقط قبل ثلاث سنوات.
وأرجع المدير العام للجهاز، كين ماكالوم، هذه الظاهرة إلى التأثير الكبير الذي تمارسه منصات التواصل الاجتماعي الموجهة إلى المراهقين.
وأصدرت مجموعة "العيون الخمس" الاستخباراتية، التي تضم بريطانيا وأمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، بيانًا مشتركًا في ديسمبر 2023، أبدت فيه "قلقًا متزايدًا" إزاء استهداف القاصرين من قبل جماعات متطرفة عبر منصات مثل ديسكورد وتيك توك وروبلوكس وإنستغرام.
طفولة مضطربة
واجهت ريانان طفولة قاسية بعد أن فرت مع والدتها وشقيقها من العنف الأسري، وأقامت العائلة لفترة في مأوى للنساء، قبل أن تستقر في ديربيشاير، لم تُشخّص إصابتها بالتوحد إلا بعد دخولها سن المراهقة، رغم ملاحظات مبكرة على هوسها الشديد بمواضيع محددة، مثل شخصية "هاتسونا ميكو" من عالم الأنمي، وسلسلة "ماي ليتل بوني".
تطوّر اهتمامها لاحقًا إلى الهوس بتاريخ ألمانيا النازية، متأثرة بلعبة إلكترونية وشخصياتها، ساهم في تعميق هذا التوجه وجود شريك والدتها، داكس مالابورن، وهو مجرم أمريكي سابق منخرط في عصابة عنصرية بيضاء، وكان يعيش مع العائلة بعد خروجه من السجن.
كوّنت ريانان علاقة إلكترونية مع المراهق الأمريكي كريستوفر كوك، عبر تطبيق ديسكورد، في بدايات جائحة كوفيد، بينما ظنت والدتها أنها تتواصل مع أصدقاء ألعاب من المدرسة، كانت المراهقة تقضي وقتًا متزايدًا في عزلة، متأثرة بأفكار عنصرية متطرفة.
أفادت التحقيقات بأن كوك، الذي ينتمي إلى جماعة نازية جديدة، شجّعها على التصعيد في أفكارها وأفعالها، وبينما حاولت والدتها التدخل بعد ملاحظة التغييرات السلوكية، كانت الأمور قد تجاوزت حدّ السيطرة نتيجة الضعف النفسي والتقني في بيئة الرعاية المحيطة بريانان.